المجلسي يهاحم العلامة ولد بيه

جمعة, 24/01/2020 - 12:36

على هامش مؤتمر السلم
كتب *الشيخ محمد سالم المجلسي*
تذكير..
في ظلال "التَّعايُش" وعلى نَغم "الحرية" شارك الشَّيخ عبد الله ولد بَيَّه سنة 2016 في مؤتمر الحريات الدِّينية الَّذي نظَّمته وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن, وهناك أتحفه بجائزة الحرِّيات الدِّينية مَتحفُ الصَّحافة "نيوزيم" (Newseum)  أكبرُ  متحف إعلاميٍّ في العالم.
وفي الأيَّام ذاتِها من سنة 2013 استبشَرت أنفُسٌ وتشوَّفت للأمل أرواحٌ حين أفصَح المتحفُ عن تكريم مصوِّرَين فلسطينيَّين يَعملان في قناة الأقصى, قتلهما الجنود الإسرائليُّون عمدا في مأساة لا يَزال دَمعُها سَكيبا, ضمن عشرات الصُّحُفيِّين الَّذين قُتلوا في العالم أثناء تأديَّة عملهم الصُّحفيِّ..ولكن سَرعان ما صوَّحت الآمال, وولَّت البشائرُ صَلفا تحت سَحابةٍ راعدة, حين تراجع المتحفُ عن قراره.
لن يَستَغربَ أحدٌ منعَ هذين الصُّحُفيَّين من التَّكريم إذا علم أنَّ للصَّهايِنة تأثيرا قَويًّا على هذا المتحف العالَمي, ولكن رُبَّما يَستغرب بعضُ النَّاس تكريمَ عبد الله ولد بَيَّه, وخاصَّةً أنَّ المُتحف يموِّلُه مُنتَدى الحرية الأمريكي, وهو مؤسَّسة تسعى لترسيخ حريَّة الإنسان في تعبيره وتصوُّراته, وجَسَدِه وشَعائره..وهي عناوين تحتَها من الرَّذيلة والتَّهتُّك ما يُكدِّر صَفو ماء دُلْح الدِّيَم..ومع ذلك تَبقى حريتُها نائيةً عن المجتمعات المسلمة, المقيَّدة في أَسر التَّبَعية, وقَهر المَذلَّة والاستخراب..ولا يزالُ ابنُ بَيَّة يسكُّ مسامعَها بالسِّلم وأيِّ سلم !!
لا ريبَ أنَّ ولد بيَّة  واسع العلم عَريض الثَّقافة, ولكن لا يُمكن لمنصف أن يدَّعي أنَّه جاء بفكر تجديديٍّ شَرعي إلا ما يُؤيِّد به قُوى الهيمنة الكافرة..لقد قرأتُ كلَّ كُتُبه, فألفيتُ حوارَه حولَ حقوق الإنسان, وتأصيلَه لفقه الواقع, وفتاواه الفكرية, ومشاهدَه المقاصدية, وإعمالَه للمصلحة, وصناعتَه للفتوى ونظرتَه لفقه الأقلِّيات, وتأصيلَه للتَّصوُّف..وغير ذلك..وجدتُّه مسبوقا إلى معناه, وأمَّا مواقفُه فقد سُرَّ بها الطُّغاة الظالمُون, وتداوَلوا كلماتِه كالمثل السَّائر, وما أطفأت عن مظلوم نارَ عَدُوّ.
لن تجِد لابن بَيَّة كتُبا مثل "ضوابط المصلحة في الشَّريعة الإسلامية" أو "الجهاد في الإسلام" أو "شرح الحِكَم العطائيّة" أو "فقه السِّيرة" أو غيرها من كُتُب الدُّكتور محمَّد سَعيد رمضان البُوطي الَّذي دَبَّج بيَده العلمية السَّحاء أكثر من سِتِّين كتابا, والَّذي يجدُ القارئ متعةً آسِرة ويستَفيد معارفَ مختلفة وحِكَما عارمة وهو يَقرأ له.. ورغم ما كان عندَه من طوامّ علمية فقد كتب عن السِّلم ودعا إليه, ولكن كان له موقف صارمٌ من فقه الأقلِّيات المُميَّع الَّذي يَدعو له ابنُ بَيَّه, ومع ذلك يُروَّج لرسائل ابن بَيَّة كأنها تَجديد, على حدِّ فكرة "باولا دوبريانسكي" وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية الَّتي تَرى ترويج الكُتُب والإنتاج العلمي من ضِمن "تمويل علماءَ مسلمين أو أئمة، أو أصوات أخرى للمسلمين" وفق الخُطَّة الأمريكية لتجديد الخطاب الدِّيني, وهي خطَّة خرقاء تتأنَّق بالإعلام.
ولن تجد لابن بَيَّة من المؤلَّفات إلا ما يغرَق في سَيل مؤلَّفات الدُكتور القرَضاوي, تلك المؤلفات التي رسمها بريشة العلم والأدب ودوّنها  بمِداد التجارب والمِحن، لكنَّ القرضاويَّ  رغم ما فاه به من مُعضلة علمية زبَّاء, وما زلَقت فيه قَدُمُه من مواقف, له تاريخ ضدَّ الطغيان ذاق فيه وِحشة السِّجن ، وله موقف من الأقصَى والفلسطينيِّين والهُوية الإسلامية..  لا يروَّج معه العطاء, ولا تُحصَد به تلك الجوائز الَّتي لا يَضطرُّ إليها إلَّا مضطرٌّ لمخِّ العرقوب, ولا مخَّ فيه..وذلك غايةُ الشَّرِّ.
وأمَّا العلَّامة الإباضيُّ أحمد بن حَمد الخليليُّ مُفتي سلطنة عُمان, فقد دعا للسِّلم وحضر مؤتمراتِه في كثير من الدُّول خلال عُقود بوصفه مُفتيا للسَّلطنة برُتبةِ وَزير, ورغم تَبحُّره في العلم, وكثرَة مؤلَّفاته العلمية, وسَعيِه الحثيث للتَّقارُبِ بَين المذاهب الإسلامية, لم يَنَل من الاعتبار بَعضَ ما نال ابنُ بَيَّة..وكيف ينالُه وقد انتقد في مؤتمر السِّلم موقفَهم من الجهاد الَّذي يراه ابن بَيَّة مشروعا في الزَّمن الغابر, وطارت به عنقاءُ مُغرِب في زماننا, وذكَّر الخليليُّ بقضيَّة الأقصى, وأنَّ الحربَ شرٌّ مستطير, إلاَ أن تُفرض, وأنَّ السِّلم مرغوب فيه, ولكنَّه يؤخذ بِيَد ويُعطى بِأخرى.
نُدرك جميعا طِيبَ الأمن ولذَّةَ الجُنوح إلى السِّلم..لكنَّ ابنَ بيَّة لم يأت ذلك من بابِه, وإلا لما كان قُرَّةَ عين عُشَّاق الحرب, وحكيمَ مُسعِّري الفِتَن..لأنّها دَعوة عنوانُها سَلام, والحقيقة أنّها أفكارٌ تُلبِس الحقَّ بظلام.

مراسلون